قواعد نبوية في الرقية الشرعية - جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث

قواعد نبوية في الرقية الشرعية

  • محمد موسى نصر
  • 11/08/2018
  • 951

طلب العافية مطلب شرعي ودنيوي، روى الترمذي بسند صحيح عن عمرو بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
وذلك أن عافية الأديان في عافية الأبدان، فمن صح بدنه صحت عبادته، وأدى طاعة ربه على الوجه الكامل الذي أمر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الصحيح: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير»(1).
فما فائدة كثرة المال مع ملازمة الأسقام والعلل الظاهرة والباطنة لهذا الجسد، وهل يتمتع المريض بطعم النوم أو يتلذذ بصنوف الأطعمة والأشربة وقد فسد مزاجه ومذاقه، ولـذلك قـال داود –عليه السلام-: «العافية ملك خفي، وغم ساعة هرم سنة».
وقد قيل: العافية نعمة مغفول عنها، قال بعض السّلف: كم للهِ من نعمة تحت كل عرق ساكن، وقديماً قالوا: العافية تاج على رؤوس الأصحاء، لا يعرفه إلا المرضى؛ وهي من أول النعم التي يسأل عنها العبد يوم القيامة، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يُسأل عنه العبد من النعم يوم القيامة أن يقال له: ألم أصحَّ جسمك وأروِك من الماء البارد»(2).
فعلى العبد الذي متّعه الله بالعافية أن يصرفها في طاعة الله –تعالى- ويتقوى بها على طاعة الله وعدم صرفها واستهلاكها في المعاصي والذنوب؛ فمن حفظ الله في طاعته وامتثال أوامره حفظ الله عليه جوارحه ومتّعه بسمعه وبصره وقوته، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك»(3)، فالمعاصي تسبب العطب، وتسرع إلى أعضائه التلف لأنها –أي: الجوارح- استُخدمت في غير ما خلقت له من العمل بالشكر ولزوم الشرع الذي فيه بقاؤها وحياتها، بل إن الطاعات تدفع البلاء والأسقام وميتة السوء، قال صلى الله عليه وسلم:
«داووا مرضاكم بالصدقة»(4)، وفي الحديث: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»(5).
طلب العافية من الله من جوامع الدعاء الذي ينبغي أن يحرص عليه المؤمن، عن العباس بن عبدالمطلب قال: قلت: يارسول الله علِّمني شيئاً أسأله الله، قال: «سل الله العافية» فمكثت أياماً، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله؟ فقال لي: «يا عباس يا عمَّ رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة»(6).
قلت: فعافية الدنيا تعين على عافية الدِّين، وعافية الدين هي سلامة البدن وسلامة الدين ، وبهما ينجو العبد وتسلم له آخرته.
ولا ينبغي للعبد أن يدعو على نفسه بالمرض والعذاب:
فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً قد جهد حتى صار مثل الفرخ، فقال له: «أما كنت تدعو؟ أما كنت تسأل ربك العافية؟ قال: كنت أقول: «اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! إنك لا تطيقه – أو لا تستطيعه – أفلا كنت تقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»(7).
وعن معاذ بن رفاعة، قال: قام أبو بكر الصديق على المنبر ثم بكى، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى، فقال: «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية»(8).
فإذا أدركنا قيمة العافية فعلينا أن نحافظ عليها تديناً لله وتقرباً إليه –سبحانه- لأن حاجتنا إليها أشد من حاجتنا إلى طعامنا وشرابنا، ومن هنا جاءت شريعة ربنا تأمرنا بالاقتصاد في المطعم والمشرب والجماع، والحمية عن المؤذي، وحفظ الصحة واتخاذ الأسباب التي جعلها الله وسيلة للشفاء، وطلب الدواء والعلاج مع التوكل على الله واعتقاد أنه هو الشافي وحده.
فإن إخلاص الدين لله والتوكل على الله من أعظم ما يندفع به تسلط الأرواح السفلية الخبيثة، والأمراض الفتاكة، ونستطيع أن نلخص منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في حفظ العافية، ودوام الصحة المادية والمعنوية العضوية والنفسية في الآتي:
1- إخلاص الدين لله سبب لحماية العبد من كيد الشيطان وفتن الحياة الدنيا، ووقاية للعبد من سلطان شياطين الإنس والجان.
2- لا بد من الصبر على البلاء، فالفرج يأتي بعد الكرب واليسر يأتي بعد العسر: {فَإِنَ مَعَ العُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً}.
فأنى لعسر أن يغلب يسرين!
3- احتساب ثواب البلاء مما يعين على الصبر عليه.
4- ما عند الله لا ينال إلا بطاعته؛ فمن حفظ أوامر الله حفظ الله عليه بدنه وعافيته في الدين والدنيا.
5- ينبغي للعبد أن يتعرف إلى الله في الرخاء قبل الشدة؛ فمن تعرف إلى الله في الرخاء تعرف الله إليه في الشدة، قال –تعالى-: {فلولا أنَّهُ كانَ مِنَ المسبحينَ لَلَبِثِ في بطنِه إلى يومِ يُبعثون}. [الصافات:143-144]
6- الإحسان إلى الخلق والصدقة على الفقراء والمساكين من أسباب دفع البلاء.
7- ينبغي للمريض أن يلجأ إلى الله ويأخذ بأسباب العلاج في شفاء مرضه قبل أن يلجأ إلى أي مخلوق من البشر.
8- الرقية تطلب للمريض ولا يطلبها هو لنفسه؛ توكلاً على الله واعتماداً عليه لحديث ابن عباس في وصف السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب: «لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»(9).
9- ينبغي للمريض أن يعلق قلبه بالله، ويلجأ إليه عند الاضطرار لا إلى أحد غيره: {أمَّن يجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السُّوءَ}. [النمل:62]
10- درهم وقاية خير من قنطار علاج؛ فلا بد من الوقاية والحذر من كل مؤذٍ مادياً ومعنوياً، جسداً وروحاً.
11- السلاح بضاربه؛ فلا يكفي قوة السلاح إذا كان حامله مشلولاً، أو هزيلاً، وهكذا الرقى الشرعية تكون قويةً مؤثرةً إذا خرجت من قلب ولسان صادق مؤمن بها قائم بما أوجب الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
12- القرآن كله شفاءٌ؛ ولكن تتفاوت آياته في تأثيرها تبعاً للدليل الوارد في بعضها على وجه الخصوص، ولا بأس بالأدعية والأذكار التي لا تشتمل على مخالفة أو نهي أو شرك، لحديث: «اعرضوا علي رقاكم؛ لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً». (10)
13- لا يجوز الاستعانة بالجن لإخراج الجن وإبطال السحر- ولو كانوا مسلمين – لأن ذلك لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس من عمل السلف، وهو فتح لباب من الشر عظيم، والشياطين يُلَبِّسون على كثير من المعالجين ويستدرجونهم.
وإغلاق هذا الباب هو الأولى، والاكتفاء بالرقى الشرعية فيه السلامة والنجاة.
قال –تعالى-: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجالٌ مِنَ الإنسِ يَعوذونَ بِرجالٍ مِنَ الجنِّ فَزادُوهم رَهقاً}[الجن:6]؛ أي: طغياناً وتكبراً وتسلطاً على الإنس؛ فالموحد لا يستعين إلا بالله وحده كما لا يعبد إلا الله.
وقانا الله وسائر المسلمين سائر الأسقام والدواء، وأسبغ علينا عافية الدنيا والآخرة.