وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً - جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث

وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً

  • محمد موسى نصر
  • 11/08/2018
  • 836

قال الله –تعالى-:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]، هذه الآية جمعت صفات ومواصفات أهل الثبات على الحقّ؛ الذين لا يهمهم إلا مرضاة ربهم، فلا تحركهم العبارة ولا الإشارة إلا إذا صدرت عن شرع الله ووحيه.
وإن كانت هذه الآية –كما ذكر المفسرون- تحكي بطولات بعض السلف كأنس بن النضر وغيره في غزوة أُحد أو غيرها، ووفاءَهم بعهدهم مع الله، غير أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب –كما هو مقرر عند العلماء-، ومن ها هنا؛ فإن هذه الآية عامة لكل المخلصين الصادقين الذين يثبتون على الحقِّ رغم التحديات، ورغم المغريات، ولسان حالهم يقول: (إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي).
فالمؤمن الصادق لا همّ له في هذه الحياة الدّنيا إلا أن يعمل بمرضاة الله، ويجتنب مساخطه؛ يعمل بسنة رسول الله، ويجتنب البدعة وما يقرّب إليها، يوفي بعهده مع الله بالالتزام بالكتاب والسنة وعلى منهج سلف الأمة، عقيدة، وشريعة، وعلماً، وعملاً، وسلوكاً.
وتأمل أيها القارئ الكريم مؤهلات أهل الاستقامة والثبات على الحقِّ، فهم:
1- مؤمنون: أي صادقون في إيمانهم، ليسوا مذبذبين؛ كما قال الله -تعالى- في وصف المنافقين: {مُذَبْذَبينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء: 143]، لا يعرف لهم وجه، ولا حال؛ كالشاة العائرة؛ تعير تارة إلى هذا القطيع، وتارة إلى ذاك؛ فالمؤمن الحقّ لا يعرف التّلوّن، ولا التبدّل، وتغيير المواقف حسب المصلحة -تارة-، وحسب الكفِّة الرَّاجحة -تارة أخرى-، في زمن اختلط فيه الحقّ بالباطل، واتبع الناس فيه كلّ ناعق، فالحقّ أبلج والباطل لجلج، والأمر يحتاج إلى توفيق الله وعنايته وتسديده، وهذا لا ينال بالأماني.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
2- رجال: أي: أهل عزيمة وقوامة، فهم عند كلماتهم، ومواقفهم؛ فالرجال هم الذين يثبتون على مواقفهم -التي ينصرون بها الحقّ- ثبوتاً أشبهَ ما يكون بثبوتِ الجبال الرواسي، ولقد أثنى الله على الرجولة في كتابه وسنة رسوله(1).
3- صدقوا وأوفَوا بعهدهم، وذلك في قولـه -تعالى-:{صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ}، وقد عاهدوا ربَّهم -سبحانه- على الثبات حتى ينالوا النّصر والشهادة، وهكذا أهل العلم يثبتون في ميدان العلم، والدّعوة؛ فلا يتنازلون عن عقيدتهم وإيمانهم، ومواقفهم الجهادية، مهما طال عليهم الأمد وكثر الخصوم، وقلَّ الأنصار.
ومن علامات سوء الخاتمة -عياذاً بالله- أن يظل الرجل على الحقّ ستين عدداً ثم ينتكس في نهايات عمره، وأواخِر أجله، ولو صبر وكتب له التوفيق لواصل المشوار على درب أسلافه، ولم ينقطع قبل بلوغ الأجل، وقبيل قطف الثمر.
4- أنهم أهل صبرٍ وثبات؛ فالواحد منهم لم يقض نحبه بعد، أي: لم يلق الله شهيداً ؛ شهيد ميدان العلم، أو الأرض؛ فهو ثابت على وعده، ثابت على الوفاء بنذره دون أدنى تبديل، أو تغيير مهما عصفت به رياح الفتن، فكيف يُتّهم من ثبت على ثوابت السلف ولم يبدل تبديل نوابت الخلف بالفرار!؟ ويتهم بأنه على غير الحقّ، ولم يتزحزح يوماً عن الحقِّ(2) الذي قرره الله في كتابه وعلى لسان نبيه، ودرج عليه السلف وعلماؤهم وأئمتهم قديماً وحديثاً؛ رغم الإغراءات (المادّية) و(المصالح) الدنيويّة!!
 نعم؛ نحن مع السلف –الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه- عقيدةً، ومنهجاً، إيماناً، وعلماً، وعملاً.
نحن مع بقية السلف في هذا الزمان: ابن باز، والألباني، وابن العثيمين، ومقبل الوادعي؛ الذين قضوا نحبهم على التوحيد، والإيمان، والمنهج؛ لم يغيروا، أو يبدلوا، أو يتلونوا، نحن معهم؛ لأنهم أئمة الهدى في هذا الزمان، ولن نبدل أو نتبدل -إن شاء الله-، ولو سخط علينا مَن بأقطارها، ولن نُرضي أَحداً في سخط الله أبداً، والعاقبة للمتقين.