ع سفر الحوالي، والإرجاء ... مرة أخرى! ج1 - جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث

ع سفر الحوالي، والإرجاء ... مرة أخرى! ج1

  • علي حسن الحلبي
  • 11/08/2018
  • 11244

أوقفني عصر أمس الأحد: 13/ربيع الثاني/1423 - بعض إخواني طلبة العلم؛ على لقاء (صحفي) أجرته مجلة (البيان) –الصادرة في لندن!- مع (فضيلة العلامة(!!) الدكتور سَفَر بن عبد الرحمن الحوالي!!)(1) في عشر صفحات كاملة من القطع الكبير!! تحت عنوان: (على المسلمين فهم طبيعة المعركة، والإعداد لها)!
وكان اللقاء فكرياً، سياسياً، حركياً؛ قلَّ أن تجد فيه آية أو حديثاً!!
والحقيقة أن مجال نقد هذا (الحوار=اللقاء) كبير، وكبير جداً؛ لعل الله –تعالى- ييسّر لي – أو لغيري من طلبة العلم- نقدَه، وبيانَ ما فيه وفيه!
ولكني أردت -استعجالاً بالخير – أن أنقد منه ما يتعلَّق بموضوع تكرَّر القول فيه! وتعدَّد الاتهام به!! وتنوع الحديث عنه!!! {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طـه: 84]...
وهو موضوع (الإرجاء)، وما يتصل به من فتنة وبلاء...
ولقد نظرت في كلام (د. سفر) –هنا- فرأيته تكراراً واختصاراً- بصورة أو بأخرى! –مع إصرار (عجيب!) على الاستمرار في الاتهام، والمضيِّ في منكر القول والزور...
ولقد كان صاحبه القديم (سلمان العودة) أقرب إلى العدل منه- وأبعد من الجور- عندما تكلَّم في هذا الموضوع –ذاته-، قائلاً:
«ربما كان التسرع في التكفير، والإرجاء وجهين لعملة واحدة؛ فما من خصلة من الشرع إلا وللشيطان فيها نزعتان: إفراط أو تفريط.
والعدل هو الوسط؛ الذي يُرَدُّ إليه الجافي والغالي.
وربما كان واقع الناس في جرأتهم وضعف تمسكهم، وقلة خوفهم معبِّراً عن نزعة عملية إلى الإرجاء.
بينما يميل بعض المتعلمين والمتفقهين إلى نوع من الضبطُ يفضي أحياناً إلى الجرأة على التكفير.
ومن الخطأ أن تتحول هذه المسائل العلمية إلى تنابز بالألقاب، وتدافع بالأيدي، وافتعال للخصومات والمعارك، بين فئات قد لا تعي من الأمر شيئاً! بقدر ما تتلقَّى عن متبوعها وتجتهد في نصرة قوله!!
إن الكثير من الشباب في حاجة إلى بناء نفوسهم، وعقائدهم، وأخلاقهم وحياتهم، وإعدادهم للدَّوْر المنظور منهم، وهذا لا يتأتَّى حينما تصبح بداياتهم صراعاً محموماً حول مسائل هم قد لا يفهمونها! ولا يدركون أبعادها ولا يستفيدون منها كثيراً»(2).
فأين هذا الكلام من ذاك؟!
وإن حال (د. سفر) ليتنزَّل   –تماماً- على كلام (صاحبه سلمان)؛ وذلك من وجهين:
الأول: أنه تلَّقى (!) من متبوعه (!!) هذه الفكرة، وبلورها، وفخَّمها، وقعََّد لها...
ومتبوعة –هنا، في هذا!- هو محمد قطب: (المفكِّر) الحركي المعروف؛ كما في مواضع من كتابه «واقعنا المعاصر»؛ إلحاحاً على قضية الإرجاء، وما يتَّصل بها من بلاء ولأواء ...
الثاني: أن معالجته لهذه القضية الدقيقة: معالجة سطحية غير عميقة...
ويظهر هذا –جيِّداً- في كلامه الكثير الكثير في أطروحته للدكتوراه «ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي»؛ والتي أشرف عليه فيها –أيضاً-: محمد قطب!
ولقد كتبت –قريباً- رسالة-بعنوان: «الدرر المتلألئة، بنقض الإمام الألباني (فرية) موافقته المرجئة» رداً على ثلاثية: (سيد قطب = محمد قطب = سفر الحوالي)، ثم أتبعتها بنحو مائة تعليق كتبها شيخنا الإمام -رحمه الله- رداً على مواضع من «ظاهرة إرجاء سفر!».
وهي كافيةٌ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [قّ: 37].
وبخاصة أن كتابي هذا سبقه كتاب آخر، أهم منه –في نظري-، وهو: «التعريف والتنبئة بتأصيلات الإمام الألباني في مسائل الإيمان، والرد على المرجئة».
ولكن؛ ما حيلتنا فيمن يُعرض عن الحقِّ، ويُصرُّ على نقيضه؟!
وها هو الإصرار يتجدَّد -ويتمدد!- بثوب جديد، وقول عنيد!
وقد حان الأوان لرد مقالة (البيان!):
-أولاً: قال (الصحفي المحاور) –وهو مُبْهَمٌ لا تعرف حاله ولا عينه!-:
ما رأي فضيلتكم فيما تعرَّض له بعض أهل السنة من لوثة الإرجاء: هل سببه خلل منهجي؟ أم ردود أفعال؟
فأجاب (د. سفر):
المؤسف أنه ردود أفعال؛ فلو أن أي طالب علم جمع نصوص الكتاب والسنة، وأقوال السلف في المسألة لما وقع أبداً في شك. لكن، حين ابتدأَ بعضهم الأمر بالدفاع عن زلَّة عالم، تحولت المسألة إلى إصرار على الخطأ، وعسف للأدلة، وتحريف للنقول لكي تؤيد تلك الزلكة.
والشكر مستحق للجنة الدائمة للإفتاء، والمشايخ الفضلاء؛ الذين كشفوا الشبهات، وبينوا التلبيس»أ.هـ.
أقول:
-أما قوله-: «إنه ردود أفعال»!!
فهو أهون –حقاً- من أن ينسبه إلى خلل المنهج؛ كما فعله –ويفعله- كثير من مقلديه الهوُج!
ومع ذلك؛ فكيف تكون (هذه) ردودَ أفعال، ونحن على ما نحن عليه، قبل ظهور هذه الفتن المفتريات، وتلكم الدعاوى والاتهامات؟!
وهل (ردود الأفعال) سابقة لـ (الأفعال)؟! أم أَشَرُ لها؟!
نعم؛ إن الأخذ والردَّ، والتعقُّب والنقد –الذي جرى ويجري!- أفادنا أموراً وأموراً؛ عبرت عن بعضها في كتابي «الردّ البرهاني» (ص 15) –قائلاً-: «وهذا كله –والفضل لله- أوجد عندي معرفة –ليست قليلة!- بمدلولات الكلمات، ومعاني المصطلحات، ومثار النقاشات، ومدار المساجلات؛ فرأيتني أضبط ألفاظاً كنت استعملتها –قديماً- لتصير أدقَّ في المقصود، وأدلَّ على المراد! وأُغير كلمات -أو عبارات- قد أُسيء فهمها! ورأيتُني أُحاذر من مصطلحات كنت أتوسع فيها، ولا أتحاشى من تردادها –مضيِّقاً دائرتها؛ وذلك لما رأيته من التباين بين الفرقاء –والمتباحثين- في توحيد فهمها، فضلاً عن استيعابها وهضمها...
فكان الأمر –في جُلِّ هذا- ولا يزال منه بقايا!- كمثل ما قال القائل:
سارت مشرقة وسرت مغرباً
      شتان بين مشرق ومغرب.
وأقول –الآن-: ولا تزال (الدولاب) العجلة يدور!!
-وأما قولـه: «فلو أن أيَّ طالبَ علم جمع نصوصَ الكتاب والسنة، وأقوالَ السلف -في المسألة- لما وقع -أبداً- في شكٍّ..»!!
فهذا استعراض عضلات يستطيعه –وأكثر منه!- كلُّ أحد من الناس، مهما كان مبلغه من العلم –أو الجهل-!
وإلا؛ فهل يفوت هذا الجمعُ شيخنَا الإمام محدث العصر، وحاملَ راية سنة نبينا –عليه الصلاة   والسلام-؟!
... ولا أقول هذا تعصُّباً أو تقليداً لا؛ وإنما أقولــه بعدَ نظر ونظر؛ فيما كتبه وحرَّره شيخنا الإمام، بين ما جمعه وسوده هذا المنتقد المستعرض –بغير حق-.
وسيأتي بيان شيء من ذلك –قريباً -إن شاء الله-.
-وأما دعواه الإصرارَ على الخطأ، دفاعاً عن زلَّة عالم!!!
فسهل –جداً- قلُبها على مدَّعيها، وعكسها على قائليها؛ بل هذا أهون وأهون ... فالدفاع عن زلَّة العالم أجلُّ قدراً –بكثير- من الدفاع عن تخاليط من ليس بعالم!!
وسيأتي البيان –بمنة ربنا  الرحمن-.
وأما (شكره!) –الأخير- للّجنة الدائمة والمشايخ الفضلاء...!
فليس ذلك (منه) إلا لكون ذلك وافق ما يبغي، ورافق ما يريد، وإلا: أين موافقته للمشايخ الفضلاء التي لا تخفى عليه، ولا تغيب...؟!
وكلامه في «وعد كسنجر» (ص138-139)، حول (التحاكم إلى الشرع) في (دولة الرفاهية)!! يكشف أطراف القضية!!
وقد سقته –بتمامه- في «الدرر المتلألئة» (ص36-40)؛ فانظره...
-ثانياً": ثم قال (الصحفي المحاور) مستدركاً: لكن قد يقال: إن الحديث عن جنس العمل، وكونه شرطاً في صحة الإيمان، لا يزال محلَّ اشتباه عن بعض السلف فما الملائم في تقرير هذه المسألة؟
فأجاب (د. سفر) –بقولـه-: «نعم؛ هناك من يقدِّم رأي شيخه على الحقِّ، وهناك من يصعب عليه التراجع، وهناك من يضعف عن فهم جوانب المسألة.
وفي الإمكان تقرير الحقِّ بكل بساطة، وذلك بالاعتماد على أمرين...»أ.هـ.
فأقول: هذه كلمات إنشاء يقدر على كَتْبِ ما هو مِثْلُها كلُّ ذي قلم...
وكما قلت –قَبْلاً- أقول  –الآن-: إن عكس هذه الكلمة على قائلها، وقلبها على مسوِّدها أسهل –وأثبت- من البدء بكتابتها، والمقام أيسر في إيقاعها، والمحلُّ أكثر قبولاً في استيعابها ...
فكان ماذا؟!
أمَّا الأمران اللذان ذكرهما (د.سفر) –بعد- مناقشته فيها...
ففي الحلقة القادمة –إن شاء الله-.