على مَدى قرون...كثُر الطاعنون؛ ولكنْ :
...والطعن(!)وإنْ كان متنوّعاً ذا ألوان؛ لكنه-دائماً-يرتدّ على أصحابه، ويرجع في نُحور أربابه..فالحقّ ابلج، والباطل لَجلج..
لكنّ أشدّ هذه الطعن وأقبحَه ما كان صادراً من بعض أدعياء العلم والمعرفة، ممّن هم عنهما بمعزِل!
والعجيبُ-وليس بالأعجب!-: ما نراه في المجتمعات-كافّة-والأكاديميّة-بصورة خاصة-مِن احترام التخصّصات؛ فلا ترى طبيباً يتدخّل في شؤون مهندس، ولا مهندساً يتدخّل في شؤون تاجر، ولا تاجراً يتدخّل في شؤون مُزارع...-وهكذا-!
والعلمُ الشرعيُّ-بسائر تقاسيمه-هو أجلّ مِن هذه المعارف الدنيوية-جميعِها -واعلى-على ما لها مِن أهمية -تتفاوت بحسَبها-.
ومِن أعظم العلوم الشرعية، وأدقّها، وأجمعها، وأوسعها، وأرفعها: علمُ الحديث النبوي الشريف-بما يتضمنه مِن تأصيلاتٍ وتفاريعَ وكتبٍ وتآليفَ-.
فقد واكَب هذا العلمُ الجليلُ فجرَ الإسلام، مستمراً إلى هذه الساعة، وسيبقى شامخاً إلى قيام الساعة -بمِنّة الله-تعالى-.
وعلى طُول ما مضى مِن القرون: خرج علينا(!) طاعنون-في هذا العلم العظيم-كثيرون...
ذابوا وذهبوا..وبقي علمُ الحديث عالياً، مرتفعاً، ثابتاً، راسخاً..
ولئن كان علمُ الحديث -بكُلّيّته-على هذا المعنى الفائق الرائق-عُلوّاً ورِفعةً-؛ فإنّ كتاب"صحيح الإمام البخاري"هو قمّتُه الكبرى، وذِروتُه السامقةُ العُليا-بكل فخر-..
ولكونه كذلك؛ تعرّض هذا الكتاب الجليل-والذي هو أصحُّ كتاب على وجه الأرض، ألّفه إنسان-لكثيرٍ من الهجمات، وعديدٍ من الغارات!
ولكنها-جميعاً-تكسّرت على صخرة ثباته وثبوته، وذهب الطاعنون-أجمعون-بعُجَرهم وبُجَرهم-؛ فلا يُذكَرون إلا بسوء صنيعهم، وقبيح أفعالهم-كالبائل في ماء زمزم-أجلّكم الله-!
وفي عصرنا-هذا-(عصر وسائل التواصل الاجتماعي!)- العصر الذي جعل للأشَلّ سِيقاناً خشبية!-: كثُر الطاعنون! وأعانهم على ذلك قومٌ-منهم، ومعهم -آخَرون-بهم يتكثّرون-!!
لكنّ شبهاتِهم التي يذكرون، وتُرّهاتِهم اللاتي يكرّرون، وقالاتِهم اللائي يجترّون.. واهيات، واهنات، خاويات..
ومِن أعجبِ ما رأيته-من ذلك-يتكرّر-{أتواصَوا به بل هم قومٌ طاغون}-: زعمُهم-وعليه يتّكِئون!- أن الشيخ الألباني(!)ضعّف أحاديثَ في"صحيح البخاري"!
...وهي حُجةٌ معكوسة، وشبهةٌ منكوسة!
وبيانُ ذلك مِن وجوه:
الأول: أن منطلق الشيخ الألباني-وهو المتابعُ لاجتهادات عددٍ من أئمة الحديث-قبل قرون وقرون-هو تأصيلٌ نقدي علمي حديثي دقيق محض؛ ليس أهواءً سادرة! ولا عقلانياتٍ غادرة-كما هو صنيعُ طاعني القرن الحادي والعشرين-هؤلاء-!!
الثاني: أن ما تكلّم به علماءُ الحديث-من ذلك-(الألباني ومَن قبلَه)-هو شيء محدود، ومعروف، ومتوارَث، ومنضبط.
ولا يزال كثيرٌ منه-بين العلماء-ما بين أخذٍ وَرَدٍّ-صِناعةً حديثيةً صِرفةً-..
ولولا وجودُ هذا النقص(المحدود)في هذا الجهد البشري للإمام البخاري-في"صحيحه"-لَعُدَّ عملُه معصوماً-وليس هو كذلك!-..{ولو كان مِن عند غيرِ الله لوجَدوا فيه اختلافاً كثيراً}..
الثالث: لو أنّ الطاعنين الجُدُد-أولئك-كانوا متابعين في طعنهم(!)بعضاً من النقد العلمي لبعض أئمة الحديث..لَهان الخَطب، وسهُل الأمر..
لكنّ الواقع غيرُ ذلك-تماماً-!
فهي طعونٌ حادثة، حديثة، مستحدَثة-لا خِطام لها ولا زِمام-!
الرابع: أن أئمة الحديث الأوّلين في نقدهم (حروفاً)من"صحيح البخاري"-بحسب تعبير الإمام ابن الصلاح-إنما كان ذلك منهم-جزاهم الله خيراً-نُصرة لسلامة السنة المحمّدية، ومحافَظةً على نقاء الحديث النبوي..
بينما نرى أكثر(!)طاعني آخِر الزمان-هداهم الله-يفعلون ذلك تشكيكاً بالسنّة المحمدية، وتهويناً مِن شأن الحديث النبوي الشريف..
ألا خابوا وخسروا-واللهِ-..
يا هؤلاء...
إما أن تتوبوا، أو تذوبوا..
فلا نفعتم-دِيناً-، ولا انتفعتم-دُنيا-...
فارْعَووا-هداكم الله-..
وعلى الله قصدُ السبيل، ومنها جائر...