رقم الفتوى
145
تصنيف الفتوى
الفقه
التاريخ
10/06/2018
السؤال :
قُتل أخي المدعو (ر م ع) قبل ثلاثة أعوام - تقريباً-، وهو في السابعة عشرة من عمره، على أيدي المدعو:1) (أ س) وهو في السادسة عشرة والنصف من عمره - وهو ابن عمي - لزم-.
2) (ح خ ك) وهو في السابعة عشرة من عمره.
وقد قاما المذكورين أعلاه بإطلاق الرصاص على (أخي) مع سبق الإصرار والترصد بعد تخطيط طويل!
وبعد ذلك حكمت المحكمة عليهما بالسجن لمدة (12 عاماً)؛ لأنهما في سن الحدث.
فأرجو إرشادي ماذا أفعل؟ هل أقوم بقتلهما بعد انتهاء مدة السجن المذكور أعلاه؛ حيث قتلا (أخي) عمداً؟!
وهل هذا حقٌّ شرعي لي؟
أرجو فتواي في هذه المسألة، وماذا أفعل؟!
وجزاكم الله خيراً
الجواب :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:فقد اطلعت (لجنة الفتوى) في «مركز الإمام الألباني» -رحمة الله عليه- على سؤالكم، ويشكرُ حرصكم، وتثبتكم، ووقوفكم على الحكم الشَّرعي.
مِن المقرر عند الفقهاء أنه لا يجوز لآحاد الناس القيام بالقتل، ولو كان المراد قتله مهدورَ الدم، ولابد من إذن الإمام أو النائب عنه في ذلك، إذ إقامة الحدود واستيفاء القصاص من اختصاصات الإمام، أو الخليفة، أو من ينوب عنهما من القضاة والعمال، ومَن يُعهد إليهم بهذه الأمور، وهذا أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم.
قال إمام الحرمين الجويني في كتابه «الغياثي» (ص217):
«فأما العقوبات التي يقيمها الإمام على آحاد الناس فهي منقسمة إلى الحدود والتعزيرات.
فأما الحدود فاستقصاء القول في مقتضياتها، وتفاصيل المذاهب في كيفياتها وإقاماتها في أوقاتها وسبيل إثباتها، وذِكر مسقطاتها مذكورةٌ في كتب الفقه، وهي بجملتها مفوّضة إلى الأئمة، والذين يتولَّون الأمور من جهتهم.
والقصاص في النفس والطرف، فإن كان خالصَ حقّ الآدمي، فليس لمستحِقِّه استيفاؤه دون الرفع إلى السلطان». انتهى
وقال ابن قدامة في «المغني» (11/515 – ط: هجر):
«ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان»، وقال: «وهو مذهب الشافعية؛ لأنه أمر يفتقر إلى الاجتهاد، ويَحرُم الحيفُ (أي: الظلم) فيه، فلا يُؤمن الحيفُ مع قصد التَّشفِّي، فإن استوفاه من غير حضرة السلطان، وقع الموقِع، ويُعزَّر، لافتياته (أي:لتعدّيه) بفعل ما مُنع فعلُه».
فكلام ابن قدامة واضح في الحرمة، فذكر -رحمه الله- أن من استوفى القصاص مِن مستحقّه يعزّره الإمام؛ لأنه تعدى عليه، فإذا كان القصاص لابدَّ أن يطلب من القضاء الحكم به؛ لكي يثبت موجبه وتتحقق شروطه، ولا توجد شبهة تدرؤه، فإن التنفيذ يكون تحت إشراف ولي الأمر، وذلك لأنه قد يؤدي غيظ ولي الدم إلا التشفي بالقتل بآلة من شأنها أنْ تُعذب قبل إزهاق الروح، أو أن يذهب فرط الغيظ إلى التمثيل بالجثة، ولأن القصاص كان بتمكين الشرع منه وحكم القاضي، فوجب أن يكون التنفيذ في ظل الشرع، حتى لا يخالف في طريقه، ومع ذلك هو ما يقتضيه سلطان النظام وتنفيذ الأحكام.
قال البيهقي في «شعب الإيمان» (6/85- ط: دار الكتب العلمية):
«ما كان طريقه طريق الحدود والعقوبة؛ فإن ذلك إلى السلطان دون غيره».
وقال شيخنا الألباني -رحمه الله- في «السلسلة الصحيحة» (1/352 – ط: المعارف) -بعد كلام-:
«إن تنفيذ الحدِّ ليس من حقِّ الشيخ مهما كان شأنه، وإنما هو من حقِّ الأمير أو الوالي».
وهذا أمر لا خلاف فيه بين الفقهاء والعلماء(*).
قال الإمام القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» (2/245 وما بعدها- ط:دار إحياء التراث العربي):
«لا خلاف في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرضٌ عليهم النهوض به، وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص؛ فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود».
وقال -أيضا-: (2/256): «اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقَّه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض ، وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض».
يتضح لنا من خلال ما سبق: أنه لا يجوز لأولياء المقتول العمل على قتل القاتل، والواجب عليهم العفو من أجل الله -تعالى-، ولا سيما أن الله -تعالى- يقول: {فمن عفا وأصلح فأجرُه على الله} ، أو أخذ الدية الشرعية، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.